فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ} يعني بعثنا نوحًا إلى قومه بالرسالة فأتاهم، ويقال: معناه جعلنا نوحًا رسولًا إلى قومه.
{فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي وحّدوا الله، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي ليس لكم رب سواه.
قرأ الكسائي {إله غَيْرِه} بكسر الراء.
وقرأ الباقون {غَيرُهُ} بالضم.
فمن قرأ بكسر الراء فلأجل مِنْ وجعله كله كلمة واحدة والغير تابعًا له.
ومن قرأ بالضم فمعناه ما لكم إله غيره ودخلت من مؤكدة.
ثم قال: {إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وهو الغرق. اهـ.

.قال الثعلبي:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ}.
وهو نوح بن ملك بن متوشلح بن اخنوخ، وهو إدريس بن مهلائيل بن يزد بن قيثان ابن انوش بن شيث بن آدم عليهم السلام، وهو أول نبي بعد إدريس وكان نجارًا بعثه الله عزّ وجلّ إلى قومه وهو ابن خمسين سنة فقال لهم: {يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} قرأ محمد بن السميفع {غيره} بالنصب.
قال الفراء: بعض بني أسد وقضاعة أجاز نصب غير في كل موضع يحسن فيه إلا تمّ الكلام قبلها أو لم يتم فيقولون: ما جاءني مشرك وما أتاني أحد غيرك. فأنشد الفضل:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ** حمامة في ذات أو قال

وقال الزجاج: قد يكون النصب من وجهين: أحدهما الاستثناء من غير جنسه.
والثاني الحال من قوله: {اعبدوا الله} لأن غيره نكرة، وإن أضيف إلى المعارف. وقرأ أبو جعفر ويحيى بن وثّاب والأعمش والكسائي: {مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} بكسر الراء على نعت الإله، واختاره أبو عبيد ليكون كلامًا واحدًا.
وقرأ الباقون {غيره} بالرفع على وجهين: أحدهما: التقديم وإن كان مؤخّرًا في اللفظ تقديره: مالكم غيره من إله غيره.
والثاني أن يجعله نعت التأويل الاله لأن المعنى مالكم إله غيره {إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إن لم تؤمنوا {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
اللام لام القسم، قال الطبري أقسم الله تعالى أنه أرسل نوحًا، وقالت فرقة من المفسرين: سمي نوحًا لأنه كان ينوح على نفسه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، قال سيبويه: نوح ولوط وهود أسماء أعجمية إلا أنها حقيقة فلذلك صرفت، وهذه نذارة من نوح لقومه دعاهم إلى عبادة الله وحده ورفض آلهتهم المسماة ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق وغيرها مما لم يشتهر، وقرأ الكسائي وحده {غيرِه} بالرفع، وقرأ حمزة والكسائي {هل من خالق غير الله} خفضًا، وقرأ الباقون: {غيرُ الله} رفعًا والرفع في قراءة الجماعة هنا على البدل من قوله: {من إله} لأن موضع قوله: {من إله} رفع، وهو الذي رجح الفارسي، ويجوز أن يكون نعتًا على الموضع لأن التقرير ما لكم إله غيره، أو يقدر غير ب إلا فيعرب بإعراب ما يقع بعد إلا، وقرأ عيسى بن عمر {غيرَه} بنصب الراء على الاستثناء، قال أبو حاتم: وذلك ضعيف من أجل النفي المتقدم، وقوله: {عذاب} يحتمل أن يريد عذاب الدنيا ويحتمل أن يريد به عذاب الآخرة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {اعبدوا الله}.
قال مقاتل: وحِّدوه؛ وكذلك في سائر القصص بعدها.
قوله تعالى: {ما لكم من إله غيره} قرأ الكسائي: {غيرِه} بالخفض.
قال أبو علي: جعل غيرًا صفة ل {إله} على اللفظ. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله}.
لما بيّن أنه الخالق القادر على الكمال ذكر أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار.
واللام في {لقد} للتأكيد المنبِّه على القسم.
والفاء دالة على أن الثاني بعد الأوّل.
{يَاقَوْمِ} نداء مضاف.
ويجوز يا قومي على الأصل.
ونوح أوّل الرسل إلى الأرض بعد آدم عليهما السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات.
قال النحاس: وانصرف لأنه على ثلاثة أحرف.
وقد يجوز أن يشتق من ناح ينوح؛ وقد تقدّم في آل عمران هذا المعنى وغيره فأغنى عن إعادته.
قال ابن العربيّ: ومن قال إن إدْرِيسَ كان قبله من المؤرّخينَ فقد وَهِم.
والدليل على صحة وهمِه الحديث الصحيح في الإسراء حين لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم آدم وإدريس فقال له آدم: «مرحبًا بالنبيّ الصالح والابن الصالح».
وقال له إدْريسٌ: «مَرْحَبًا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح».
فلو كان إدريس أبا لنوح لقال مرحبًا بالنبيّ الصالح والابن الصالح.
فلما قال له والأخ الصالح دَلّ ذلك على أنه يجتمع معه في نوح، صلوات الله عليهم أجمعين.
ولا كلام لمنصف بعد هذا.
قال القاضي عِياض: وجاء جواب الآباء هاهنا كنوح وإبراهيم وآدم «مرحبًا بالابن الصالح».
وقال عن إدريس «بالأخ الصالح» كما ذكر عن موسى وعيسى ويوسف وهارون ويحيى ممن ليس بِأب باتفاق للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال المازِريّ: قد ذكر المؤرخون أن إدريس جدّ نوح عليهما السلام.
فإن قام الدليل على أنّ إدريس بُعِثَ أيضًا لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح؛ لما أخبر عليه السلام من قول آدم أن نوحًا أوّل رسول بعث، وإن لم يقم دليل جاز ما قالوا: وصح أن يحمل أن إدريس كان نبيًا غير مرسل.
قال القاضي عِياض: قد يجمع بين هذا بأن يقال: اختص بعث نوح لأهل الأرض كما قال في الحديث كافَّة كنبينا عليه السلام.
ويكون إدريس لقومه كموسى وهود وصالح ولوط وغيرهم.
وقد استدل بعضهم على هذا بقوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} [الصافات: 123 و124].
وقد قيل: إن إلياس هو إدريس.
وقد قرئ {سلام على إِدْرَاسِين}.
قال القاضي عياض: وقد رأيت أبا الحسن بن بَطّال ذهب إلى أن آدم ليس برسول؛ ليسلم من هذا الاعتراض.
وحديث أبي ذَرٍّ الطويل: يدل على أن آدم وإدريس رسولان.
قال ابن عطية: ويجمع ذلك بأن تكون بعثة نوح مشهورة لإصلاح الناس وحملهم بالعذاب والإهلاك على الإيمان؛ فالمراد أنه أوّل نبيّ بُعث على هذه الصفة. والله أعلم.
وروي عن ابن عباس أن نوحًا عليه السلام بعث وهو ابن أربعين سنة.
قال الكلبيّ: بعد آدم بثمانمائة سنة.
وقال ابن عباس: وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عامًا؛ كما أخبر التنزيل.
ثم عاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثُر الناس وفَشَوْا.
وقال وهب: بعث نوح وهو ابن خمسين سنة.
وقال عَوْن بن شدّاد: بعث نوح وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة.
وفي كثير من كتب الحديث: الترمذيّ وغيره أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام.
وذكر النقّاشُ عن سليمان بن أَرْقَم عن الزهريّ: أن العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل اليمن من ولد سَامِ بن نوح.
والسند والهند والزّنج والحبشة والزُّطّ والنُّوبة، وكلُّ جلد أسود من ولد حَامِ بن نوح.
والترك وبَرْبَر ووراء الصين ويأجوج ومأجوج والصقالبة كلهم من ولد يَافِثَ بن نوح.
والخلق كلهم ذرية نوح.
قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} برفع {غَيْرُهُ} قراءة نافع وأبي عمرو وعاصم وحمزة.
أي ما لكم إله غيره.
نعت على الموضع.
وقيل: غير بمعنى إلا؛ أي ما لكم من إله إلا الله.
قال أبو عمرو: ما أعرف الجر ولا النصب.
وقرأ الكسائي بالخفض على الموضع.
ويجوز النصب على الاستثناء، وليس بكثير؛ غير أن الكسائي والفراء أجازا نصب غير في كل موضع يحسن فيه إلاّ تَمَّ الكلام أو لم يتم.
فأجازا: ما جاءني غيرك.
قال الفراء: هي لغة بعض بني أُسْد وقُضَاعَة.
وأنشد:
لم يَمْنَع الشُّرْبَ منها غيَر أن هتفَتْ ** حمامةٌ في سَحُوق ذاتِ أوْقَال

قال الكسائيّ: ولا يجوز جاءني غيرك، في الإيجاب؛ لأن إلا لا تقع ها هنا.
قال النحاس: لا يجوز عند البصريين نصب غير إذا لم يتم الكلام.
وذلك عندهم من أقبح اللحن. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}.
اعلم أن الله تبارك وتعالى لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته وغرائب خلقه وصنعته الدالة على توحيده وربوبيته وأقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما جرى لهم مع أممهم وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن إعراض قومه فقط في قبول الحق بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية والقرون الماضية وفيه تنبيه على أن عاقبة أولئك الذين كذبوا الرسل كانت إلى الخسار والهلاك في الدنيا وفي الآخرة إلى العذاب العظيم فمن كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم من قومه كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من الأمم المكذبة وفي ذكر هذه القصص دليل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب ولم يلق أحدًا من علماء زمانه فلما أتى بمثل هذه القصص والأخبار عن القرون الماضية والأمم الخالية مما لم ينكره عليه أحد علم بذلك أنه إنما أتى به من عند الله عز وجل وإنه أوحى إليه ذلك فكان دليلًا واضحًا وبرهانًا قاطعًا على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} لقد أرسلنا نوحًا جواب قسم محذوف تقديره والله لقد أرسلنا نوحًا وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه الصلاة والسلام ويعني أرسلنا بعثنا وهو أول نبي بعثه الله تعالى بعد إدريس وكان نوح عليه الصلاة والسلام نجارًا.
وقيل: معنى الإرسال أن الله تعالى حمله رسالة ليؤديها إلى قومه فعلى هذا التقدير فالرسالة تكون متضمنة للبعث أيضًا ويكون البعث كالتابع لا أنه أصل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بعثه الله وهو ابن أربعين سنة وقيل وهو ابن خمسين سنة وقيل وهو ابن مائتين وخمسين سنة وقيل هو ابن مائة سنة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سمي نوحًا لكثرة نوحه على نفسه واختلفوا في سبب نوحه فقيل: لدعوته على قومه بالهلاك وقيل: لمراجعته ربه في شأن ابنه كنان وقيل: لأنه مر بكلب مجذوم فقال له: اخسأ يا قبيح فأوحى الله تعالى إليه أعبتني أم عبت الكلب؟ {فقال} يعني نوحًا لقومه {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} يعني اعبدوا الله تعالى فإنه هو الذي يستحق العبادة لا غيره فإنه ليس لكم إله معبود سواه فإنه هو الذي يستوجب أن يعبد {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} يعني إن لم تقبلوا ما آمركم به من عبادة الله تعالى واتباع أمره وطاعته واليوم الذي خافه عليهم وهو إما يوم الطوفان وإهلاكهم فيه أو يوم القيامة وإنما قال أخاف على الشك وإن كان على يقين من حلول العذاب بهم إن لم يؤمنوا به لأنه لم يعلم وقت نزول العذاب بهم أيعاجلهم أم يتأخر عنهم العذاب إلى يوم القيامة. اهـ.